سوليوود (وكالات)
على قدر أهمية وخطورة تأثير الفنون ومنها السينما كأحد أهم عناصر تكوين وجدان الطفل تثور دوماً إشكاليات حول دور الأفلام السينمائية والرسوم المتحركة في تكوين شخصية الطفل العربي وبناء ثقافته، خاصة مع تزايد الفضائيات المتخصصة للأطفال حتى أصبح كثيرون منهم مدمنين على مشاهدة تلك القنوات إضافة إلى المعروض على الإنترنت التي أصبح تواصل الطفل معها مباشراً بسبب سهولة تعامل الأطفال مع وسائل التكنولوجيا، فهل تلعب دوراً إيجابياً أم سلبياً في بناء شخصيته وتشكيل منظومة القيم لديه؟.
رائد أدب الأطفال الكاتب يعقوب الشاروني قال لموقع الخليج الثقافي أن سينما الأطفال لها تأثير قوي جداً على الأطفال، لأن السينما من الفنون التي تنقل المشاهد من حالة اليقظة إلى حالة تشبه الحلم، ولهذا يسلم نفسه إلى كل ما يشاهده ويسمعه على الشاشة وهو ما يفرض مسؤولية كبيرة على من يقدمها للأطفال فلا بد من مراعاة قواعد كثيرة ليكون لها التأثير الإيجابي وتتجنب التأثيرات السلبية وتبتعد عن نوازع العنف وعدم تقبل الآخر، وتحرص على تأكيد القيم الأخلاقية والدينية والفكرية مثل التفكير في المستقبل والخيال العلمي وبناء صحة الإنسان وعلاقته بالطبيعة.
وأضاف لموقع «الخليج الثقافي»: إن ما يقدم للأطفال العرب يشهد تجاوزات كبيرة خاصة في أفلام الكارتون، التي تتميز بإطلاقها العنان للخيال المطلق وتتيح لصناعها أن يقدموا موضوعات كثيرة لا تتاح في الأفلام السينمائية التي يلعب بطولتها البشر، لكنها في أغلبها تتبنى أفكارا تشجع على العنف والسلوك الفردي وعدم احترام القيم ولا يشغل صناعها سوى جذب الأطفال.
وهو ما تتفق معه المخرجة شويكار خليفة، الرئيس الأسبق لقناة النيل للأسرة والطفل، التي تعتبر أن ما يعرض على الفضائيات العربية يخلق تأثيراً سلبياً، وترى أن غالبية المحتوى يتسم بالتفاهة والعنف، وأن الكارتون الأجنبي يدس السم في العسل كما في أفلام والت ديزني ويشوه تاريخنا وصورة العرب ويقدم العربي كإرهابي، وكذلك في الإنتاج الكوري والياباني الذي تسود فيه ثقافة العنف ما ساهم في تدهور ثقافتنا، وتتساءل كيف ستكون شخصيات الأطفال الذين يتربون عليه؟
وقالت إنه رغم تميز بعض الأعمال الأجنبية المدبلجة بمستوى فني متميز، إلا أن اللهجة التي تدبلج بها تلك الأعمال لا تعزز الشخصية الوطنية وتتجاهل اللغة العربية الفصحى.
وأضافت في المقابل لا يوجد إنتاج لائق يقدم للطفل العربي، رغم الضرورة الملحة له في هذه المرحلة بوجه خاص، حيث يعيش أطفالنا منذ خمس سنوات وسط سيطرة برامج التوك شو على حياة الناس، وفي أسوأ الظروف التي تتطلب اهتماماً خاصاً بالطفل حتى لا تؤثر عليه سلبياً الأحداث السياسية وما يشاهده مع الأهل في التوك شو والبرامج الإخبارية.
وتساءلت لماذا لا يبادر القطاع الخاص في مصر لإنتاج أفلام الكارتون وتسويقها وإطلاق قناة خاصة للأطفال، ففي أوروبا وأمريكا تمثل صناعة مربحة وتحقق أفلام الكارتون عائداً قبل أن تعرض، من خلال تسويق منتجات الدعاية التي تصاحبها، فإمكانية المكسب من أفلام الكارتون كبيرة، ورغم هذا لا يتحمس لها منتجونا، مضيفة: إن الأطفال ليسوا محل اهتمام أحد بشكل حقيقي ولا يوجد تخطيط لرعاية ثقافة الطفل والإنتاج الفني له واستشهدت بتجربتها في إنتاج العديد من الأعمال الفنية في القنوات المتخصصة على مدار عشرين عاماً خاصة الرسوم المتحركة، نالت جوائز محلية ودولية وتخزن حاليا في مكتبة التلفزيون ولا تعرض وتساءلت: لو كانت الدولة تعاني أزمات مالية تعوق الإنتاج فلماذا لا تعرض الأعمال الموجودة بالفعل خاصة على القنوات المحلية والإقليمية، وأضافت لمست بنفسي شغف الأطفال واحتياجهم لهذه الأعمال في ورش شاركت بها في عدة محافظات عرضنا فيها بعض هذه الأعمال من الرسوم المتحركة وكنا نناقش الأطفال فيها ويقومون برسم أفكارهم وما شاهدوه وهي من أفضل وسائل التعليم والتربية، فهل أنتجت للتخزين في المكتبة وحتى قناة الأسرة والطفل تحولت لقناة العائلة بمحتوى لا يلبي احتياجات الأطفال ولا توجد قناة أطفال مصرية قادرة على المنافسة.
وأضافت: هناك دوماً دائرة لا تكتمل في إنتاج الكارتون في مصر كصناعة لها مقومات من تخطيط ورأس مال وإنتاج وتسويق وتوزيع، وفي خضم حالة العشوائية التي نعيشها ورغم احتياج القنوات العربية لمواد لساعات البث الطويلة، ما يدفع تلك القنوات لحشوها بالكارتون الأجنبي لندور في دائرة مفرغة، رغم أنه يمكننا أن نقدم إنتاجا متميزا وغير مكلف خاصة للأطفال في سن قبل المدرسة، حيث يمتلك الكارتون وسائل جذب كبيرة في اللون والحركة والصوت تحقق له المتعة خلال التعلم.
الناقدة السينمائية خيرية البشلاوي انتقدت عدم الاهتمام بسينما الطفل وقالت: «ليس لدينا أفلام موجهة للأطفال إلا قليل جداً فصناعة سينما الأطفال ليست من أولويات الدولة ولا مجال اهتمامها بدليل إلغاء إقامة مهرجان سينما الأطفال هذا العام بدعوى عدم وجود فيلم مصري طويل سواء روائي أو كارتون، رغم أن هذا الحال تكرر في غالبية دوراته، فأفلام الأطفال تكاد تكون غائبة تماما عن الخريطة السينمائية المصرية».
وأضافت إن هذا الغياب فتح الساحة لتأثير الفيلم الاجنبي والأمريكي بوجه خاص فمنذ الأربعينيات قامت أفلام والت ديزني بالمهمة وتولت تشكيل البنية العقلية للأطفال بأفكارها التي غالباً ما تكون أفكاراً عنصرية تخفي نزعة استعمارية، ورغم أنها تقدم شحنات كبيرة من البهجة والتسلية إلا أن المحتوى الفكري الذي تقدمه ليس من أفكارنا بل يتضمن بشكل خفي دعما للسياسات الأمريكية، فوالت ديزني لم تكن أبدا مجرد شركة كارتون للترفيه فقط بل تعد الصناعة الأمريكية الثقيلة الموجهة للأطفال حول العالم لأنها تغذي الوجدان والأفكار والخيال، وحققت هذا الميراث مع الأطفال وهو لا ينحصر فقط في الإنتاج السينمائي وإنما يمتد للكثير من المنتجات التي يستخدمها الأطفال حول العالم من ملابس ومنتجات مختلفة في مرحلة الطفولة والدراسة لذا صارت المؤسسة الأهم والمصدر الأكبر في صناعة الترفيه للأطفال على مستوى العالم، وحتى موروثنا الثقافي من حكاياتنا الفلكلورية في ألف ليلة وليلة وغيرها تحول إلى أفلام كارتون قدموها برؤاهم الخاصة.
وفي المقابل ليست لدينا صناعة قوية موجهة للأطفال في مواجهتها، واستقر الحال عربيا على ميراث من التجاهل والإهمال من كل الجهات، سواء من جانب شركات الإنتاج السينمائي الخاصة أو إنتاج الدولة ومؤسساتها المتخصصة بما فيها المركز القومي للسينما، رغم وجود مبادرات فردية لفنانين مجتهدين حققت جماهيرية مع الأطفال ونجاحا، وقدمت ثقافتنا كما حدث في مسلسل بكار وأعمال أخرى، لذا صرنا نعيش في اعتماد كامل على ثقافة مستوردة يستهلكها الطفل المصري والعربي عامة تتم دبلجتها للعربية، لكن يظل المحتوى معبرا عن الثقافة التي أنتجتها.
واعتبرت هذا الإهمال جزءا من ميراث كامل من الإهمال للطفل في المجال التعليمي والترفيهي والتربوي.
ويرجع الكاتب يعقوب الشاروني إغراق الطفل العربي في الثقافة الأمريكية التي تقدمها أفلام الكارتون إلى تكاسل المسؤولين عن الفضائيات العربية في البحث عن أعمال أخرى من ثقافات مختلفة، ويرى أن المهرجانات السينمائية العربية الخاصة بالأطفال تلعب دورا مهما في الانفتاح على الإنتاج العالمي خارج سيطرة الموزعين للفيلم الأمريكي، وقال إن تجربته على مدار 20 عاما في رئاسة لجنة اختيار أفلام مهرجان القاهرة الدولي لسينما الأطفال، تؤكد وفرة عدد ضخم من الأفلام الجيدة في مستواها الفني ومحتواها خاصة في الفيلم الروائي لكنها لا تتاح للجمهور خارج عروض المهرجانات بسبب سيطرة الفيلم الأمريكي على سوق التوزيع في العالم العربي، لذا لا بد من توسيع دائرة الاختيار فهناك أفلام كندية وبريطانية وهندية جيدة يمكن أن تشكل رؤى مختلفة في مواجهة سيطرة الفيلم الأمريكي ويمكن الاستفادة من تلك المهرجانات في فتح مجال أوسع للاختيار بشراء حقوق عرض أفلام جيدة للأطفال والتي ستكون تكلفتها أقل من الفيلم الأمريكي الذي يرتفع ثمنه بسبب التهافت عليه، وطالب غرف صناعة السينما في الدول العربية بلعب دور في هذا المجال لتيسير سبل التعاقد مع هذه الأفلام، كما طالب بالاهتمام بإنتاج الأفلام الروائية وليس فقط الكارتون رافضاً الأفكار المسبقة عن عدم الإقبال على فيلم الأطفال بناء على متابعته لمشاهدة الأطفال خلال مهرجان القاهرة لسينما الأطفال وفي العروض المختلفة، مؤكدا أن الحكم الحقيقي هو جودة العمل وأن الأطفال يتوحدون أكثر مع أبطال الفيلم البشري أكثر من أفلام الكارتون التي تكون شخصياتها مسطحة، ويأخذون القدوة أكثر من الشخصيات البشرية وتترك أثرا أكبر فيهم.
وطالب الأهل بأن يلعبوا دورا في دعم صناعة سينما الأطفال من خلال تأسيس عادة اصطحاب الأطفال لمشاهدة أفلام مخصصة لهم، مشيرا إلى أن النهوض بصناعة سينما الأطفال يتطلب مبادرات من كل الجهات، كما انتقد غياب دور النقد في كل ما يتعلق بالأطفال فلا توجد حركة نقدية تفرز للمجتمع الأعمال الإبداعية وتساعد صناعها على التطور.
أستاذ سينما الطفل بالمعهد العالي للسينما، د. مختار يونس، يرجع المشكلة في المحتوى المقدم للطفل إلى عدم تأهيل الفنان المتخصص والمؤهل علميا لإنتاج عمل إبداعي للطفل، ويرى أن الخطوة الأولى لا بد أن تبدأ من إعداد الكاتب المتخصص وقال: «الفنانون الذين يقدمون أعمالا للطفل غير مؤهلين لأنهم وإن درسوا الفنون لم يدرسوا الطفل الذي يتوجهون له والذي يجب دراسته بشكل علمي، حتى يؤدي العمل الفني دورا في تنمية إمكانيات وذكاء الطفل، من خلال توظيف إمكانيات الفنون لتطوير الذكاء العقلي والوجداني لدى الطفل في كل شريحة عمرية يخاطبها وليس مجرد تقديم قوالب جاهزة ومكررة من الأعمال الفنية التي لا تترك أثرا لدى الطفل بل تسهم في إفساد وجدان الطفل العربي، حتى يسهم الفن في إعداد الطفل لمواجهة التطورات التكنولوجية في العالم ولا نحكم على أولادنا بمصير الانعزال عن التطور العالمي علمياً وفنياً».