إبراهيم عقيلي
طالب بدراسة دقيقة لحجم السوق..
ودعم السعودي في صناعة المحتوى
قدمت دراسة في الثمانينات لتطوير الفنون فأُجهضت
لا بد أن نقف على تجربتي الهند والصين ونحتذي بهما
المشاهد السعودي مظلوم ولا يجد من يناقش قضاياه
<عند الحديث عن تاريخ السينما في السعودية، لا يسقط اسم عائلة جمجوم حتى ولو سهوا، فهو علامة فارقة منذ أن بدأت السينما تعرض أفلامها في أحواش «العروس». وعائلة جمجوم من العوائل الكبيرة المؤثرة على حياة المجتمع ثقافيا؛ إذ قاد فؤاد جمجوم مشروع السينما في العائلة قبل 55 عاماً، وكبر وكبرت أحلامه والتي تتلخص في تحقيق هوايته في إدخال السينما إلى المملكة، وكانت على شكل «عروض وتأجير وبيع وما إلى ذلك».
اتفقت مع الدكتور شهاب جمجوم، وهو من أعمدة العائلة وأكاديمي ومسؤول سابق في وزارة الإعلام، على حوار سينمائي يلخص حياة فؤاد، والحديث عن رؤيته لمستقبل السينما في المملكة.
استغربت حينما حدد مكان اللقاء في حي البغدادية جنوبي جدة، فكنت على يقين بأن جمجوم لم يعد له صلة بأحواش السينما في البلد القديمة، مشيت على خريطة جوجل التي أرسلها لي، وإذ بي أقف قرب موقع قديم لسينما جمجوم، رحب بي ضيف حوارنا الدكتور شهاب، وإذا بي داخل مكتب جميل وأنيق، يوجد في كل زاوية من زواياه عدسة كاميرا، أو جهاز عرض، أو إضاءات، وصور قديمة لجدة ولنشاط الشيخ فؤاد مؤسس السينما في جدة. ليفاجئني الدكتور شهاب بأن المكتب الذي نحن فيه هو موقع قديم لعرض السينما؛ إذ كان «حوشا» ضمن 8 أحواش تعرض السينما لسكان جدة، إلى نهاية السبعينات، وجاء الإيقاف لكن ذلك المكان لم ينته فقد حل الفيديو الأزمة، فتجدد نشاط جمجوم لنسخ الأفلام وتأجيرها. وبدأ الحوار مع الدكتور شهاب جمجوم، وكان على النحو التالي:
• متى بدأت علاقة عائلة جمجوم بالسينما، وكيف؟
•• علاقة عائلة جمجوم بالسينما بدأت من فؤاد جمجوم، والعائلة لم تكن راضية عنه، وكان مرفوضا عائليا، بحكم أنها عائلة محافظة ومحبة للتعليم، وترخيص مدرسة الفلاح كانت باسم الجد عبدالرؤوف، وفؤاد من الأحفاد، فقد جاء بشيء لم يأت به أحد. وطلع في فترته شبه منحرف، كالذي يعزف على العود، لكن إصرار فؤاد قاده للعمل بعزيمة وصبر، وكبر نشاطه إلى أن أصبح يعمل على السينما في 8 مواقع، في البغدادية وتصل إلى الرويس، وفي الصيف ينتقل إلى الطائف.
فكانت الحركة جميلة والناس متقبلينها، وكان في كل بيت جهاز سينما، خاصة للمقتدرين والذين باتوا يعرضونها في الأفراح أيضا، حيث كانوا يختتمون السهرة بفيلم، وهو طرب الزواجات في ذلك الوقت.
وبعد الإيقاف بدأت حركة المغنيين وبدأت في الأفراح، وكانت بديلة للسينما. إلى أن جاء الإيقاف والذي قام بتعطيل الحركة السينمائية، لكن جاء التلفزيون بانفتاح جعل من الجمود شكليا فقط، فقد كان يعرض الأغاني والأفلام. ولو عاش فؤاد لكان شيئا كبيرا في السينما السعودية، ولكن ولده وحيد أخذ الراية من بعده، إذ أخذ هذا الموقع الذي نتحدث منه وحوله إلى مكتبة فيديو، ويحاول أن يكمل المسيرة، خاصة في ظل بقايا مكتبة والده، وقدم وحيد جهدا كبيرا، فقد ساهم في تحريك المكان؛ فالتغيير الذي طرأ على المكتب يتحول بتحول التاريخ وتغير التقنية.
• ماذا ينقصنا لأن نلحق بالركب؟
•• اليوم من أجل أن نلحق بالركب ينقصنا الشيء الكثير، فجاءت شركات أجنبية من أجل أن تستثمر في هذا الاتجاه، ونحن كمتخصصين في هذا المجال لدينا رجاء، وهو دعم القطاع الخاص السعودي وتحميله مسؤولية الرؤية، ونتمنى أن يكون للقطاع الخاص دور في الاستثمار، وأقصد استثمار المباني واستثمار المحتوى، فلو فتح الباب للقطاع الأجنبي فأحلام الثمانين ملياراً والتي توقعها المتخصصون كحجم للسوق ستتبخر، فلا بد أن نكون على وعي استثماري وتحويل الفائدة الكبرى للبلد، ورغم وعود الأجنبي بتوظيف أكثر من 100 ألف سعودي إلا أنني أرى أن المستثمر السعودي سيقدم نفس الخدمة وأكثر، ومن الممكن أن نستفيد من خبرة الأجنبي من حيث الإشراف ولكن لا بد أن تكون هناك خطة، وهي تزاوج القطاع الخاص بالذات في الحقوق، وهو جزء يشكل جزءاً كبيراً من الأرباح.
• قدر حجم السوق بأكثر من 80 مليارا، ما رأيك بهذا التقدير؟
•• بات من الضروري الاعتماد على الدراسات المتخصصة في تقدير حجم السوق، فمن الصعب أن نحلم بأرقام كبيرة دون دراسات متخصصة، ومعرفة حجم المشاهدين وعدد السكان، وأتوقع أن يكون هناك طلب كبير ولكن الخوف من التضاؤل فيما بعد، الأمر الذي يهدد المشاريع التي فتحت وبشكل موسع، فمن المتوقع أن التقنيات الجديدة تسحب الكثير من المستهدفين، والهدف الرئيسي هو مشاركة القطاع الخاص.
• هل سيلتهم الأجنبي السوق؟
•• الأجنبي سيأتي بعدته وعداته، وعادة الأجنبي يأتي بشروطه وفي هذه الحال سنفقد الكثير، ولكن نأمل أن يكون هناك دعم خاص للمستثمر السعودي، وخاصة في ما يتعلق بصناعة المحتوى، فالمتلقي السعودي مظلوم، أصبح يشاهد قضايا لا تخصه وتعني بشكل أكبر المجتمعات في الدول المجاورة، كقضايا الثأر في الدراما المصرية، ومشكلات أخرى في الدراما السورية وليس لدينا قضايا نناقشها في منتجنا الخاص، والآن لدينا فرصة للعمل الخاص، ولا بد أن نمتلك صناعة سينما وحرفيتها.
• ألا تتوقع أنه من الضروري الآن أن نعمل على إنشاء أكاديميات خاصة للفنون السينمائية؟
•• حينما كنت في وزارة الإعلام قدمت مشروعا ضخما لجميع الفنون الإعلامية كالمسرح والسينما والفنون الشعبية، فنحن لدينا عجز في عدد العاملين الحرفيين وركزت الدراسة على عجز الكليات البصرية في إخراج محترفين في هذه المجالات، فقدمت الدراسة في سنة 82 كل تلك التوصيات وبشكل مفصل على صعيد الخليج، وكان من ضمن الأكاديمية تطوير الفنون الشعبية ونحن نعيش اليوم على الأسلوب القديم، وفي الوقت الذي طورتها جميع الدول من خلال تحريكها، ونحن كما نحن، ولكن جاء مسؤول في الوزارة وأجهضها، وقلل من أهميتها، إلى أن كشفت الأيام بأننا في أمس الحاجة لها.
وحتى في مجال الأفلام كل الذي ظهر للساحة هي جهود فردية، كفيلم «وجدة» و«بركة يقابل بركة»، وغيرها، وللأسف لم يكرم هؤلاء المجتهدون، والذي لم يجدوا دعما سوى من الخارج، ففيلم «وجدة» دعم من الإمارات وبدعم من شركة أجنبية فساعدتها في إنتاج عمل متميز نافست فيه خارجيا. ومعظم الذين جاءوا على وزارة الإعلام ليس لهم علاقة في الإعلام. فجميع الوزارات بعثت في زمن الملك عبدالله، رحمه الله، موظفين من قبلهم للخارج لتطويرهم، ووزارة الإعلام لم ترسل أحدا، حتى أن وزير التعليم العالي خالد العنقري (آنذاك) حدثني مرة بتعجب فقال، هل من المعقول أن الجميع يرسل مبتعثين لتطويرهم والإعلام لم يفعل، فهل لديهم اكتفاء ذاتي، فقلت له إن هذه أكثر وزارة تحتاج لدماء جديدة. ولم يطلب أي وزير إعلام ابتعاث كتاب سيناريو أو مخرجين، لذلك التطوير كان ذاتيا، وجمعية الثقافة والفنون تعمل بميزانية ضعيفة وتطلب المساعدة المجانية من المتخصصين، وهذا ما عملت عليه جامعة العلوم والتكنولوجيا وأنا من مؤسسيها، إذ بدأنا إنشاء أكاديمية للسينما.
• ماذا تحتاج السينما حاليا لدعمها؟
•• السينما بحاجة لصندوق لدعمها، والحرفيات الأخرى كالمسرح مثلا، فبعض الشباب يحاولون أن يطوروا أنفسهم ولكن تطورهم بطيء، بعكس الكويت التي نراها تقفز في هذا المجال، وذلك لأنهم بدأوا في تأسيس المسرح، واستقدموا أشهر الفنانين لعملية التأسيس، وهو زكي طليمات والذي أسس المسرح الكويتي، وكل إفرازاته نراها الآن، حيث بدأ من زمن حياة الفهد وحسين عبدالرضا، وهم من خريجي المعهد المسرحي، فلا بد من جهاز تتبناه الدولة أو تدعم القطاع الخاص لإنشاء المعاهد، لتقديم أعمال منافسة تعالج قضايانا، ولدينا ثروات من الحكايات المهدرة، في الشمال والجنوب، ولكن لا بد أن نمتلك محترفين في الكتابة والإخراج وغيرها.
• هل ترى أن المستثمر السعودي في قطاع السينما جاهز؟
•• أكيد نحن بحاجة للخبرة الأجنبية من أجل أن نبدأ بشكل صحيح، ولكن هذا من الممكن أن نأخذها بعقود استشارية أو اتفاقيات معينة، ولكن في نهاية المطاف يجب أن تستفيد من الدخل، وأنا على يقين بأن المستثمر مستعد، ولكن يجب أن يعطى صناعة المادة، فلو تم استيرادها سيكون خير المشروع للأجنبي.
• هناك من يخشى من الرقابة الزائدة والتي تشوه الإنتاج، وآخرون متخوفون من الانفتاح في العمل، فما هو المتوقع؟
•• كل شيء له مزايا وعيوب، فالرقابة لها دور مهم، ولا أعتقد أن هناك مشكلة في ذلك.
لا بد أن تكون الرقابة معقولة بحيث لا تخرب العمل، وفي الجانب الآخر من الممكن أن تفرض على الشركات الكبيرة الإنتاج بحسب أنظمة المملكة.
وهناك بعض الأفلام يمكن الاستغناء عن بعض اللقطات دون المساس بالقصة، ولشركات الطيران تجربة سابقة مع الرقابة ونجحت ولم تؤثر على المضمون، ونادرا ما تجد فيلما يتأثر بالرقابة. والناس متعودون على مساحة معينة من الحرية.
لا بد أن لا نفرح بمشروع السينما فقط، لا بد أن نعمل على دعم المشروع على أن نحتوي كل تفاصيله، ونعمل على تطوير كل أدواته، بحيث نخرج بمشروع سينما كبير، ومصر نموذج حيث أنشأت مدينة إعلامية كبرى، وكلية للتدريب وفي السنة الثالثة من الدراسة يخرج للتمثيل، ويشتركون في الإنتاج والإخراج ويخرج الطالب وهو ملم بكل المجالات السينمائية.
• كيف برأيك يمكن أن نطور العمل الإنتاجي للسينما؟
• هناك تجربتان يجب أن نقف عندهما، الأولى الهند، والتي عملت على تطوير نفسها بالعمل المشترك، والذي يطور من الأداء، فالسينما الهندية والتي كانت وعلى مدى عقود تتسم بالمحلية، إلى أن عملت على العمل المشترك مع السينما الأمريكية فشهدت تطورا كبيرا. فتعلم الفيلم الهندي على التعامل العالمي، فخرج للعالم. والصين نموذج آخر، فقد اشترطت الصين على الإنتاج الأمريكي عدم إظهار الصيني بشكل سيئ وشرير. ونحن مثلا كثيرا ما أخرجتنا السينما إرهابيين، وأرى أن تكون هذه فرصة أن نفرض شروطنا.”
المصدر: عكاظ