هيام الدهبي
فن السينما هو أحد الفنون الحديثة التي لم تظهر فجأة، ولم تأت مصادفة، بل مرت بمراحل كثيرة حتى وصلت إلى شكلها الحالي. وبالنسبة إلى السينما المصرية، فقد بدأت كمحاكاة وتقليد للسينما الغربية ومنذ ظهورها ظلت وسيطاً له سحره وجاذبيته كأداة معرفية، ووسيط ثقافي فاتجهت إلى الأدب وأخذت تنهل منه كما نظر السينمائيون بعين الاعتبار إلى المأثورات القصصية الشعبية وفي ما بعد كان لـ «الموال القصصي» نصيب من الاستلهام بدأه المخرج هنري بركات وتبعه آخرون.
وفي كتابه «الموال القصصي في السينما المصرية» – الصادر ضمن سلسلة الدراسات الشعبية لهيئة قصور الثقافة – يطرح الباحث الدكتور محمد أمين عبدالصمد أسئلة كثيرة عن الموال القصصي وخصائصه واستلهام السينما له وتوظيفه كواحد من أنواع الشعر الشعبي.
ويعرّف الكاتب الموال القصصي بأنه «قالب غنائي شعري شعبي يحكي قصة ما في شكل متسلسل، ويأخذ في نظمه هيئة الموال التقليدي، وفي روايته لا يهتم بالتفاصيل أحياناً ويستند في حكيه إلى قصة حقيقية يستلهم منها أحداثه ووقائعه». ولهذا يعتبر الموال القصصي ابن لأبناء الجماعة الشعبية فهو مادة احتفالهم ومتعتهم ولا يكتفي الموال بهذا فقط بل هو مستودع لقيم ومفاهيم اجتماعية يحرص عليها أفراد المجتمع ويؤكدونها، كذلك يعتبر الموال القصصي بمثابة التاريخ الشعبي الذي يسجل- شفاهة – أحداثاً حقيقية مرّ بها هذا المجتمع وتفسيره لها.
كما يوضح الكاتب أن الموال القصصي دائماً ما يحكي عن «الغائب سواء… الحدث الغائب… البطل الغائب فلا توجد مخاطبة مباشرة في الخطاب المرسل ولا في السرد القصصي فكل ما في النصوص هو حديث عن – هو -».
ويكشف الكاتب أن السينما المصرية قدمت خمسة أفلام مأخوذة عن المواويل القصصية، جاء أولها عام 1959 عن موال «حسن ونعيمة» وحمل الاسم ذاته، من إخراج هنري بركات، وقام بالمعالجة الدرامية عبدالرحمن الخميسي والبطولة لمحرم فؤاد وسعاد حسني في أول ظهور لهما في السينما المصرية.
وعام 1960 قدمت السينما المصرية «بهية» عن موال «ياسين وبهية»، وقام بالمعالجة الدرامية يوسف السباعي، وأخرجه رمسيس نجيب والبطولة كانت لرشدي أباظة ولبني عبدالعزيز وزكي طليمات وحسين رياض. وعام 1964 قدمت فيلم «أدهم» عن موال أدهم الشرقاوي وكتب المعالجة الدرامية سعد الدين وهبة وأخرجه حسام الدين مصطفى وقام بالبطولة عبدالله غيث ولبنى عبدالعزيز. وعام 1978 «شفيقة ومتولي» وقام بالمعالجة الدرامية صلاح جاهين وأخرجه بدرخان والبطولة لسعاد حسني وجميل راتب وأحمد مظهر ومحمود عبدالعزيز وأحمد زكي.
عام 1979 «المغنواتي»، المستلهم للمرة الثانية من موال «حسن ونعيمة»، وفي هذه المرة قام بالمعالجة الدرامية يسري الجندي وبالإخراج سيد عيسى والبطولة كانت لعلي الحجار وسهير المرشدي وشكري سرحان وصلاح منصور.
ويضيف الكاتب إن إمكانيات الموال تصلح للسينما ما يسهل عملية الإعداد والاستلهام ففيه المكان والزمان والشخصيات والرسالة كما أن له لغته الخاصة… وقد استفادت الأفلام المستلهمة من معظم وجهات النظر السينمائية سواء وجهة نظر الشخص الأول أو الراوي أو وجهة النظر الدرامية بخاصة أن الموال القصصي يحكي زمناً ماضياً، أما الفيلم السينمائي فهو يحكي ما يحدث الآن باستثناء الأفلام التي تستخدم الراوي أو الفلاش باك.
تباين تناول السينمائيين للموال فمنهم من قدمه في شكل بسيط مع تغيير النهاية لتتوافق مع رغبة الجمهور، ومع ما هو مستقر من نهايات لأفلام تلك الفترة ومنها «حسن ونعيمة»، وهناك من حمّلها بمضمون سياسي هو بمثابة خطاب تلك الفترة مثل فيلمي «أدهم» و «بهية»، أو لإعطاء فكرة الرفض والمقاومة كما في «شفيقة ومتولي» ومنهم ما جاء لكسر ما هو مستقر من جمود وركود كـ «المغنواتي».
وفي إعداد تلك المواويل للعرض الدرامي كان الاهتمام بتوفير عنصر التشويق الذي يعتبر الركيزة الأساسية في الفيلم السينمائي، فالتشويق يتولد من الصراع، والصراع قد يكون بين شخصين أو حتى صراع الإنسان ضد ذاته.
المصدر: جريدة الحياة