عبدالوهاب العريض
قبل عقدين من الزمان كانت السينما الشاغل الأساسي لمجموعة من الشباب في السعودية، بعضهم يعرضها بالسر، وآخرون حاولوا في العلن. ولكن في أدبي الشرقية، وتحديدًا عام 2006 أو قبله بقليل، بدأ الشاعر والزميل أحمد الملا، في بادرته الأولى بأن يعرض في صالة النادي الأفلام العالمية، تحت مسمى الوثائقية، لتتأسس معه نواة الانطلاقة بمهرجان يتفق على تسميته «أفلام السعودية» لينطلق عام 2008م بالتنسيق ما بين النادي والجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون بالدمام.
ما بين انطلاق فعالية عرض الأفلام والدورة الأولى من المهرجان، تمر الكثير من المشاكل التي تصدى لها «الملا» ورفاقه، وما كنت في تلك المرحلة غير مراقب ومتابع عن قرب.
تلك المرحلة التي لا يعرف ظروفها إلا من عاشها، إذ كان الجميع يحاول التنصل من «صداع الرأس» والبحث عن شماعة للتعليق عليها، وفي النجاح نجدهم أول الصاعدين للسفينة والبارزين لالتقاط الصورة على منصة الذكريات، يبرزون في التصريحات الصحفية، بينما تختفي العقول المدبرة للتفكير في الخطوة التالية.
ما يهمني في هذه العجالة، هو التحدث عن تعلق مجموعة من الجيل الجديد، الذين دخلوا متطوعين للعمل مع المهرجان في دورته الأولى، هؤلاء الذين تعلقوا بموعد إقامة المهرجان، ويصابون بخيبة إذا ما تأخر موعد إقامته، أصبحوا اليوم هم الوقود الحقيقي من خلال عملهم، تلك المجموعة شباب وشابات، من أبناء المنطقة والوطن، آمنوا بفكرة المهرجان، وذهبوا مع مديره في أقصى الحلم، فكانوا منفذين ومبتكرين ومصممين وعازمين على النجاح، بعضهم واصل دراسته حتى حصل على شهادات علمية تخدم رؤيته، وآخر ذهب في عالم التصميم والتصوير والإخراج.
إن المجموعة التي عملت ضمن اللجان وخلف كواليس المهرجان، هي ذاتها التي حضرت في كل دورة، بل أصبح أفرادها يتنافسون على العطاء بحب، كانت بداياتهم تطوعية وربَّما مقابل مكافآت بسيطة، ولكنهم يعملون دون التفكير أو السؤال عن المقابل، غير الثقة والحب من المسؤول الأول معهم.
أسعدني الحظ هذا العام – الدورة السادسة – وانضممت معهم في اللجنة الإعلامية لتحقيق حلم طالما راودني، وهو إصدار نشرة تكون أشبه بمجلة سينمائية خلال أيام المهرجان، ولولا قناعة «الملا» بالفكرة، لما صدرت، وأصبحت مفاجأة الجميع في تبويبها واسمها «سعفة» الذي يعود الفضل فيه للزميل الشاعر «عبدالله السفر» وقد عمل زملاء التحرير والتصميم الذين آمنوا بفكرة «سعفة» على مدار الساعة طوال الأيام السبعة التي صدرت فيها «سعفة».
تلك النشرة والعمل عليها جعلني أعمل بمقربة من هؤلاء الشباب المبدعين، الذين قدموا النسخة السادسة بشكل مختلف على الشبكة العنكبوتية، متجاوزين كل المهرجانات العالمية التي أطلقت خلال تفشي «كوفيد – 19» والدخول للعالم الافتراضي؛ لذا استطاع فريق المهرجان العمل على مدار الساعة ليكون البث 24 ساعة على قناة اليوتيوب لمدة الستة أيام.
تلك الحميمية لم يسبق لي أن رأيتها في أي مهرجان آخر، حيث يعمل الزملاء بكل طاقاتهم، ويسبق – الأيام الستة – انطلاق اللجان للتحضير، حيث يكون اجتماعها الأول يوم الختام، تجتمع لتضع الأفكار الأولية، ثم تبدأ في وضع خطة عمل زمنية، وخطوط عريضة للمهرجان التالي.
لعل مهرجان أفلام السعودية يقدم نموذجًا جديدًا في أسلوب الإدارة الثقافية، وكيفية صناعة فريق عمل ناجح، يعمل بشغف دون النظر للمقابل، الذي مهما كان فهو لا يعوض ساعات الحب التي يقضونها خلف كواليس المهرجان.