سوليوود «خاص»
شكلت السينمائية رؤيا سادات لجيل من النساء، صوت المرأة الأفغانية في بلد هو من أسوأ الدول على صعيد حقوق المرأة.
وقد كانت هذه المخرجة من أوائل النسوة اللواتي حققن نجاحاً في هذا المجال بعد إسقاط نظام طالبان سنة 2001، وسبق أن حازت تقديراً على أعمال عدة بينها “إيه ليتر تو ذي بريزيدنت” و”ثري دوتس” و”بلايينغ ذي تار”.
وقد عاشت خلال حقبة الاحتلال السوفياتي التي اضطرتها إلى الفرار مع عائلتها مرات عدة بحثاً عن الأمان، كما قاست وحشية الحرب الأهلية ثم القمع الوحشي خلال عهد طالبان الذي حرم النساء أبسط حقوقهن.
ويتمثل خوفها الأكبر في العودة إلى مثل هذا التطرف، وقد يشكل الاتفاق الموقع بين الولايات المتحدة وحركة طالبان في 29 فبراير (شباط) خطوة أولى لبناء السلام في بلد لم يشهد خلال العقود الماضية سوى الحروب، لكنه لا يقدم أي ضمانات على احترام الحقوق القليلة الممنوحة للنساء في الدستور الحالي.
وتقول المخرجة البالغة 37 عاماً “أشعر بالقلق عندما أستذكر كيف كنا منسيات ببساطة خلال حكم طالبان الممتد على خمس سنوات إلى أن وقعت هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001”.
وتضيف “إذا ما قارب المجتمع الدولي الموضوع الأفغاني على أنه شأن منته وتخلى عنا مجددا، سنسجل بلا شك تبعات خطيرة”.
وأظهرت أرقام البنك الدولي في 2017 أن ما يقرب من 39% فقط من الفتيات الأفغانيات يبلغن مرحلة التعليم الثانوي، فيما تشير هيئة “يو أس إيد” الأميركية إلى أنه من أصل 300 ألف طالب جامعي في البلاد، تمثل الفتيات نسبة لا تتعدى الثلث وفق أرقام وزارة التعليم العالي الافغانية.
وتتركز هذه النسب على المناطق الحضرية لكن قبل عقدين من الزمن، كان تعليم الفتيات مهمة شبه مستحيلة في سائر أنحاء أفغانستان.
وتقول سادات “ثمة تغيرات إيجابية كثيرة تحصل من قلب المجتمع”، لكنها تقر بالحاجة الكبيرة لإجراء المزيد منها.
وتحتل أفغانستان المرتبة الأخيرة عالميا في تصنيف السلام والأمن الصادر عن معهد جامعة جورجتاون للنساء والذي يقيس مستويات الرخاء والاعتماد على الذات لدى النساء، وفي المناطق الريفية، تزيد نسبة الأمية لدى الإناث عن 98 % كما أن حقوقهن غالباً ما تكون مهدورة بفعل تقاليد محافظة.
رؤيا سادات ليست الوحيدة القلقة على فقدان المكاسب البسيطة المسجلة على صعيد حقوق النساء في أفغانستان حيث كبرت الفئات الشابة في المناطق الحضرية على الاستماع إلى الموسيقى ومشاهدة التلفزيون واستخدام شبكات التواصل الاجتماعي ومواقع الإنترنت، وبعض هؤلاء لا يعرفون حركة طالبان إلا من خلال نشرات الأخبار.
وبحسب ما نشر موقع 24 الإماراتي تستذكر سادات التي بدأت كتابة القصص والقصائد والمسرحيات منذ الصغر، كيف أن حياتها كادت تصبح جحيما مع تسلم طالبان الحكم سنة 1996.
فقد أغلقت المدارس أبوابها وأرغمت النساء على ملازمة المنزل كما مُنعت أجهزة التلفزيون والراديو، وقد واصلت المراهقة آنذاك الكتابة في المنزل وقراءة الكتب الموجودة في مكتبة والدها.
وقد سُمح لها العمل كممرضة متخصصة في تقديم المساعدة الطبية للنساء، حتى أنها أقامت عروضا ثقافية سرية قدمت خلالها مسرحياتها في المستشفى رغم أن رئيس المركز كان مرتبطا بحركة طالبان، وتقول سادات “الأمر كان خطرا للغاية. لا أزال أجد صعوبة في تصديق ما كنا نفعل”.
وكتبت سادات أول أعمالها “ثري دوتس” عن قصة أم عازبة تضطر للزواج من مجرم حرب والدخول في عالم تهريب المخدرات، خلال حكم طالبان لكنها لم تستطع نقله إلى الشاشة الكبيرة باستخدام معدات بسيطة إلا بعد إسقاط هذا النظام ما شكّل فرصة لتحوّل المعارف التي اكتسبتها من القراءات السرية إلى إبداع في العالم الحقيقي.
وقد طبع هذا التصميم مسيرتها وهي تؤمن بشدة بأن الأفلام تتمتع بوظيفة اجتماعية، وتوضح هذه الأم لطفلين “لقد انتقلت للعمل في مجال السينما بعدما خرجت من عصر الاختناق لأرى أمامي عالما كاملا من التعبير”.
وتقول “لدي إيمان راسخ بالسينما وبأن هذا الفن هو الأهم وفي إمكانه التأثير لإحداث تغيير إيجابي في مجتمعنا. لكن التغيير لا يحصل بين ليلة وضحاها بل يجب أن يطاول أفكار الناس وعقولهم”.
وأسست سادات عندما كانت في العشرينات من العمر شركة مستقلة للإنتاج السينمائي تحمل اسم “رؤيا فيلم هاوس” مع شقيقتها آلكا، ونالت منحة لدراسة الإخراج السينمائي في كوريا الجنوبية، كما كتبت أعمالاً درامية للتلفزيون لحساب شركة “موبي غروب” النافذة في المجال.
وتروي المخرجة في أفلامها قصصاً عن النساء الأفغانيات. ومنذ انطلاق مسيرتها، واجهت رؤيا تساؤلات من عائلتها وانتقادات من مجتمعها، لكنها تشدد على أن السكان المحليين يتفهمون ما تقدمه عندما يأتون لمشاهدة أعمالها.
ويظهر فيلمها الصادر في 2017 بعنوان “إيه ليتر تو ذي بريزيدنت” (رسالة إلى الرئيس)، امرأة تتصدى لزوجها العنيف فتقتله عرضاً.
وقد صوّرت سادات تمرد امرأة في بلد تُرغم نساؤه في أحيان كثيرة على الصمت في مواجهة انتهاكات الزوج، لكنها تستذكر أنها كانت تتوقع “ردود فعل سلبية” بفعل المحظورات القائمة بشأن سلوك النساء في المجتمع، لكن على العكس، لقي مشهد الصفع تصفيقاً من الحاضرين.
ولا يخلو عملها في مجال السينما من المجازفة، فهذا الميدان لا يزال يثير إشكاليات في أجزاء من أفغانستان كما أن المواضيع التي تطرحها وتصوّر فيها الظلم اللاحق بالنساء تبقى مثار جدل.
وقد نالت رؤيا سادات جائزة “المرأة الشجاعة” الدولية لسنة 2017، كما حظيت بإشادة أميركية “لرفضها الصمت” في مواجهة تهديدات محافظين.
وهي تؤكد عزمها دعم الأجيال المقبلة من المخرجات الأفغانيات، ولا تزال تأمل في الاستمرار بالتحدي ورفع صوت مواطنيها من خلال السينما التي ترمي إلى تغيير ما في قلوب الناس وعقولهم.
وتقول “السينما في إمكانها تحدي عدم التمييز والظلم، يمكنها أن تكسر محرمات اجتماعية وتدعو الناس إلى الحوار”.