سوليوود «خاص»
الخروج عن النمطية غاية يقصدها كثيرون، لكن قليلون جداً من يستطيعون الخروج منها في صورة مُبهرة ذات مضمون جيد مقنع للنقاد والجمهور، وهذا بالفعل ما قام به المخرج الفلسطيني إيليا سليمان والذي استطاع عبر فيلمه الأخير “إن شئت كما في السماء” المرور إلى المشاهدين في صورة ضاحكة كوميدية بعيدة عن المسار الدرامي الذي في العادة تسلكه الأفلام الفلسطينية.
معظم الأفلام الفلسطينية المُوجهة للعالم تنْحصر تقريبا في إظهار الفلسطيني في دور الضحية التي يستجلب تعاطف المشاهدين، وهو أمر أضحى نمطياً جدا بشكل يدفع المشاهد إلى توقعه، والتوقع في العادة يحجب التأثر أو على الأقل يضعفه، وبالتالي تتضاءل فرص هذه الأفلام في الذيوع والنجاح.
من هنا حاول سليمان عبر فيلمه هذا، والذي هو الأول له منذ فيلمه “الزمن الباقي” الذي تم إنتاجه عام 2009، أن يرسم صورة الفلسطيني في شكل طبيعي جدا فهو يَضحك ويُضِحك ويتعرض لمفارقات هزلية، لكنه في الأخير يحمل في نفسه قضية ووجع ورسالة يتبدى محتواها ضمن الصورة العامة للفيلم، ومن هنا الاختلاف.
تدور أحداث الفيلم عن شخصية فلسطينية تترك وطنها من أجل البحث عن وطن بديل، حيث تقودها الفرصة للسفر إلى باريس لتجد نفسها أمام نفس الوطن الذي تركته ليس من الناحية الجوهرية العميقة بما يعنيه الوطن، وإنما من الناحية الشكلية الإجرائية، العقبات هي العقبات وبعض البيروقراطية تظهر أمامها كما لو أنها في فلسطين، بينما الشرطة في كل مكان تقيد حركة الناس خصوصا العرب ولو بدرجات متفاوتة، عما يقوم به الاحتلال الإسرائيلي.
الفيلم عبر نمط كوميدي يحاول عولمة معنى فلسطين وما يلاقيه أهلها من تعسف وتضييق وسلب، وذلك من خلال إلقاء الضوء على ما يلاقيه الناس في أصقاع أخرى من العالم من تعسف وتضييق وسلب، كل هذا بغرض إحداث اتصال بين القضية الفلسطينية والعالم، اتصال مبني على تشارك الهم والتجربة وإن اختلف الفاعل.
وفي هذا يقول سليمان عن الفيلم: “هو عن فلسطين عندما تعولمت، وأعني عولمة العنف، وعولمة الاحتلال بأشكاله المختلفة، وليس عولمة الجانب الوطني، هذه فكرة الفيلم ببساطة، لكنها السينما التي لا تتحدث عن موضوع بعينه، بل تتناول مواضيع غير متناهية كمّاً ونوعاً، فهي تسعى لخلق صورة كل مجتمع، بل كل فرد متلق يستقبلها بطريقة مغايرة ومختلفة عن الآخر”.
ويضيف “أحاول على الدوام تركيب صورة تحوي عدة جوانب، وتكون متعددة الطبقات.. متعتي تكمن في مشاركة المشاهدة بإنتاج الصورة، وهو ما أعتبره نوعاً من دمقرطتها، لذا أسعى إلى الشعر في كتابة الصورة وليس إلى السرد الأحادي أو المعنى المباشر.”
الشعر هنا الذي يعنيه سليمان، هو ذلك السرد المتعدد الذي يحيط بجوانب القصة من زوايا مختلفة، وبالتالي يتيح لها انكشافا أكبر ووصولا أيسر وأصدق إلى المتلقي.
وتأكيدا على هذا المعنى السابق يقول، ” لا أصنع أفلامي وفق ما يعرف بالسرد الأحادي، ما أصنعه أشبه بالإسفنج، بحيث أمتص التجربة المحيطة بي، والجو السياسي الاجتماعي من حولي” ومن ثم يجسده في لوحة بصرية عنصرها الرئيسي هو الإبداع والاختلاف.
وهو الأمر الذي جعل من أفلام الرجل محل انتظار سواء من الجمهور أو النقاد، وحذا بها إلى منصات تكريم عدة، “سجل اختفاء” 1996 حائز على الجائزة الأولى بمهرجان فينيسيا للأفلام. “يد إلهية” 2002 حاز على جائزة لجنة التحكيم في مهرجان كان وأفضل فيلم أجنبي في جوائز الأفلام الأوروبية في روما.
بينما فيلمه الأخير “إن شئت كما في السماء” 2019 نافس على جائزة السعفة الذهبية في مهرجان كان السينمائي، فيما حاز على تنويه خاص من لجنة التحكيم كما حاز على جائزة الاتحاد الدولي للنقاد السينمائيين في المهرجان، بينما ينتظره خلال شهر يناير المقبل منافسة شرسة على أوسكار أفضل فيلم أجنبي.