سوليوود«وكالات»
شف د وليد الخشاب أستاذ الدراسات العربية بجامعة يورك- كندا عن استيراد العالم العربي للحداثة وفقاً لآليات متعددة، من أهمها الترجمة والاقتباس. فالاقتباس -بالمعنى العام للمصطلح، أو بمعنى شديد التقنية كما تستخدمه نظريات الأدب والسينما- سرعان ما صار النمط الرئيسي لنقل -أي لترجمة- منتجات ومؤسسات وقيم الحداثة، سواء كانت حداثة تقنية أو ثقافية.
وأوضح الخشاب أن استيراد العرب للحداثة يظهر في اقتباس الدراما الواقعية -لاسيما الفرنسية- على الشاشة المصرية، منذ نشأة السينما الناطقة. تغص الأفلام المصرية في الثلاثينات والأربعينات بالورش والمصانع. فالآلة الحديثة تتمتع بقيمة تكاد تكون شعائرية وتمثل أيقونة بصرية جعلت منها شعاراً بليغاً أيما بلاغة للحداثة “الأكثر تقدماً”، المستوردة من أوروبا. يظهر هذا جلياً في أفلام مثل “العامل” “إخراج أحمد كامل مرسي، 1943” و”بنت ذوات” “إخراج يوسف وهبي، 1946″ و”الورشة” “إخراج ستيفان روستي، 1946” ومن بطولة وإنتاج عزيزة أمير.
كانت السينما في حد ذاتها تمارس هذه الحداثة باضطراد في مصر، حيث إنها نفسها ممارسة مبنية على استخدام الآلات المستوردة “من كاميرات ومعدات إضاءة، ومنذ 1930، معدات تسجيل الصوت”، تتطلب تدريباً تقنياً حديثاً، وحيث إنها في بداياتها في العشرينات والثلاثينات كانت ساحة بالغة الأهمية لإنتاج الأيديولوجية الحداثية إلا إن السبق الأدبي الحقيقي في تناول الحداثة من حيث إثارتها للمواجهة بين الإنسان والآلة -وقد نقلت السينما المصرية القضية نفسها عندما اقتبست الرواية- يعود على الأرجح “للبؤساء” لفيكتور هوجو ونسختها السينمائية “البؤساء” “إخراج كمال سليم، 1942”. تُعَدُ مشاهد مصنع النسيج الذي تعمل به “فانتين”/أمينة رزق من أوائل تمثلات الحياة العمالية والتحيات للحداثة والتصنيع في السينما الروائية العربية قاطبة.
لم تكن الحداثة العربية إذاً مجرد ممارسة “تؤدى” باستيراد الآلات. بل كان ثمة استيراد -لا للهوية العربية بعينها- بل للقالب المعرفي الذي صُبَتْ فيه نسخة حديثة من تمثلات تلك الهوية. باختصار، تلخص الأمر في استيراد نزعة قومية شعبوية وثيق الصلة بصناعة السينما نفسها، التي اعتمدت استمراريتها على جماهير “الشعب” التي كانت تتلهف على استهلاك الصور المتحركة
وعن اقتباس النوع فى سردية الريف : الأدب والسينما المصرية
تقر دكتورةسلمى مبارك – أستاذ الدراسات الأدبية والسينمائية بجامعة القاهرة في بحثها بإرتباط بدايات السينما بالمدينة سواء فى موطن ميلادها الأول، حين احتل جهاز السينماتوجراف موقعه أمام أبواب مصنع لوميير فى ليون ليرصد حركة خروج العمال “1895”، أو سواء فى بداياتها المصرية، عندما وضع محمد بيومى آلته السينمائية فى ميدان الأوبرا ليسجل حركة الشارع والجموع قبل وأثناء وبعد مرور موكب سعد زغلول، عند عودته من المنفى “1923”. إذا كانت المدينة هى المكان الذى أسست فيه السينما المصرية هويتها المبكرة، فإن صورة الريف السينمائية فى ظهورها الأول قد خرجت من رحم الأدب، حين اقتبس محمد كريم رواية “زينب” لمحمد حسين هيكل وحولها لفيلم صامت “1930”. منذ ذلك التاريخ بدأت ملامح سردية الريف فى التشكل كنوع سينمائي له خصائصه الموضوعية والجمالية والوظيفية، ومرت بمراحل عدة لتجعل من الفلاح وفضائه وقضاياه مادة للخيال والحكى والخطاب، سواء بالاقتباس من الأدب أو بالاعتماد على السيناريو المكتوب خصيصا للسينما.
وإشكالية البحث تدور حول موضع ووظيفة الاقتباس من الأدب فى تشكيل سردية الريف السينمائية من خلال طرح التساؤلات الآتية: هل توجد خصوصية لسردية الريف ذات الأصل الأدبى مقارنة بأفلام أخرى تناولت الريف ليس لها ميراثا أدبيا؟ هل تعاطى السينما مع الأدب شكل مواصفات النوع ووظيفته؟ هل من الممكن أن نتحدث عن سردية الريف المقتبسة من الأدب كنوع أصغر داخل نوع أكبر؟ وإذا كنا ننطلق من فرضية تميل للإجابة بنعم على هذه التساؤلات، حيث شكل الاقتباس من الأدب فى تاريخ سردية الريف السينمائية ملامح مرحلة قد تكون الأهم فى مسارها، فكيف تتبدى خصوصيتها كنوع فنى أولا “محددات النوع السردية والموضوعية والجمالية” وعلى مستوى الوظيفة ثانيا “سردية الريف فى سياق تاريخ السينما وفى سياق التاريخ المجتمعى”؟
للإجابة على هذه الأسئلة يلزمنا أولا تقديم تعريف لما نسميه “سردية الريف”، حيث سنطلقها على الأعمال السينمائية التى ترتكز على المكان الريفى كفضاء أساسى للسرد وعلى الفلاح كشخصية محورية، سواء فى الأفلام ذات الأصل الأدبى أو ذات السيناريو الأصلى “زينب – الأفوكتو مديحة – ليلى بنت الريف – ابن النيل – الوحش – الحرام – صراع الأبطال – الأرض – الطوق والأسورة – خرج ولم يعد..” ستنطلق الدراسة من الرصد المقارن لفضاء “الحقل” فى أعمال مختلفة : موقعه فى السرد، وظيفته فى ديناميكية الحكى، دلالاته وأبعاده الجمالية، طامحة أن يكون مفتاحا صالحا لاختبار الفرضية التى انطلقنا منها.
ثانيا، نحتاج لرسم ما يشبه الخريطة الزمنية التى تحدد المحطات المختلفة التى مر بها تمثيل الريف فى السينما. ويمكننا القول بشكل مبدئى أنه يوجد مايشبه الاتفاق بين النقاد على وجود ثلاثة مراحل لذلك التمثيل. الأولى من الثلاثينات وحتى ثورة 1952، الثانية من 1952 وحتى نهاية السبعينات، الثالثة تمتد من بداية الثمانينات وحتى نهايات القرن العشرين. ونلاحظ أن الأفلام المقتبسة من الأدب قد وقعت غالبيتها فى المرحلة الوسطى، ليس فقط بسبب وجود سياسات رسمية وغير رسمية كانت ترى التوسع فى اقتباس الكلاسيكيات الأدبية وسيلة تمنح قيمة مضافة للانتاج السينمائى، لكن لأن سردية الريف فى الأدب، والتى بدأت فى التشكل منذ العشرينيات قد ركزت “على الفلاح بوصفه الموضوع المناسب لفن وطنى جديد ]…[ وأصبح ادعاء الأصل الريفى ]..[ – وربما للمرة الأولى خلال قرون التاريخ المصري – علامة على التميز والفخر، فقد أصبح ذلك يعنى أن تكون مصريا حقيقيا.” ومن ثم شكل الاقتباس فى هذه المرحلة الوسطى إعادة استخدام لنوع أدبى مؤسس للهوية الوطنية بمعنى ما. فهل انتقلت هذه الوظيفة التأسيسية لسردية الريف السينمائية؟ أم أن عملية العبور والانتقال من الحقل الأدبى للسينمائى قد عدلت فى الوظيفة التاريخية للنوع وفى مواصفاته الفنية؟
الاقتباس من: سماح سليم، الرواية والخيال الريفى فى مصر بين 1880- 1985» ، ترجمة عبد الرحمن الشرقاوى، المركز القومى للترجمة، القاهرة 2018
ويتناول توماس ريشار من جامعة أوفرني في دراسته عن
الاقتباس التلفزيوني بعد 2011 مسلسلين تلفزيونيين من إخراج كاملة أبو زكري :”ذات” المقتبس عن رواية صنع الله ابراهيم و”سجن النساء” المقتبس عمن مسرحية فتحية العسال. كل من العمليين يطرح قضايا تمثيل الماضي بعد ثورة 2011 ، وكيفية تناول القضايا الاجتماعية والسياسية على الشاشة.
وبحسب ما نشرته صحيفة روز اليوسف، تتيح دراسة الاقتباس أيضا النظر الى كيفية تحول العمل الأدبى الى شكل ذو شعبية كبيرة وهوالمسلسل التلفزينى، وطرح الأسئلة عن العلاقة بينه وبين أشكال الأدب الشعبى “Letourneux 2017”. كذلك سنناقش كيف يطرح الوسيط التلفزيونى عبر الاقتباس قضايا “الجندر” والطبقات الاجتماعية. وكيف تم تحويل أعمال أدبية كتبت تحت حكم مبارك إلى التلفزيون بعد سقوط حكمه.
توماس ريتشارد حاصل على درجة الدكتوراه في العلوم السياسية من جامعة كليرمون أوفيرني. يتركز عمله على قضايا الهوية والقضايا الثقافية في الشرق الأوسط. مُنحت أطروحته جائزة Michel de l’Hospital ، وتم نشرها من قبل LGDJ-Lextenso ، بالتعاون مع Presses de l’Université Clermont-Auvergne تحت عنوان “المتحف في السينما ، قصص الحرب في الشرق الأوسط.”
وحول الرواية والفيلم وسياسات التمثيل الثقافي وجماليات الاقتباس في “الباب المفتوح” للطيفة الزيات ،تقول هالة كمال – أستاذ الأدب الإنجليزي بجامعة القاهرة: تعتبر رواية الباب المفتوح “1960”، تأليف لطيفة الزيات، من العلامات البارزة في تاريخ الأدب النسائي العربي، ونموذجا فريدا في الكتابة التي تجمع بين قضايا تحرر النساء المصريات وتحرر الوطن. وقد تم اقتباسه في فيلم سينمائي بنفس العنوان خرج للنور في عام 1963 بطولة نجوم السينما في ذلك الوقت فاتن حمامة وصالح سليم ومحمود مرسي، وإخراج هنري بركات. ولعل من السمات المميزة للاقتباس السينمائي هنا هو دور المؤلفة في كتابة سيناريو الفيلم، وبالتالي لم يتوقف دورها عند التأليف الأدبي وإنما امتد إلى المشاركة في تحويل النص الروائي إلى فيلم سينمائي. وتهدف هذه الدراسة إلى تناول سياسات التمثيل الثقافي والاقتباس ما بين الرواية والفيلم، وذلك من منظور نسوي يأخذ في الاعتبار دور الموقف الأيديولوجي في صياغة العمل الفني. وبالتالي تحتل هذه الدراسة مساحة تتلاقى فيها النظرية النسوية مع النظرية الأدبية والدراسات الثقافية، وتستعين بأدوات النقد الأدبي والفني في تتبع التحولات التي أصابت عناصر السرد الروائي عند نقلها إلى الوسيط السينمائي من منطلق الرسالة السياسية والسياق الثقافي لكل من الرواية والفيلم.. وهكذا تنطلق هذه الدراسة من إدراك بالاختلافات بين العمل الروائي والسينمائي رغم اشتراكهما في بعض العناصر كالشخصيات والزمان والمكان والحبكة الفنية، ولكنها تتجاوز الجماليات الإبداعية وتلتفت كذلك إلى السياسات الإبداعية المتأثرة بالرسالة والسياق والتمثيل الثقافي.
وتسعى هذه الدراسة إلى الإجابة على بعض الأسئلة، ومنها: ما هي العناصر المشتركة بين الرواية والفيلم من منطلق نظرية النوع الفني؟ ما هي أوجه الاختلاف التي طرأت على الفيلم عند اقتباس الرواية سينمائيا، وما هي مبررات هذه الاختلافات؟ وما هي الجوانب الجمالية المحددة لأوجه الشبه والاختلاف، وما هي الجوانب السياسية المؤدية إلى الاختلاف؟ ما هي الرسالة التي تحملها الرواية بشأن تحرر المرأة وتحرر الوطن؟ وكيف تعبر نهاية الفيلم عن اختلاف في الرسالة السياسية لكل من الرواية والفيلم؟ وهكذا تسعى هذه الدراسة إلى تتبع التمثيل الثقافي لعلاقات القوى في الفيلم بين الجنسين، وبين الأجيال، وبين الوطن والاستعمار، مع تحليل الرواية والفيلم فنيا واجتماعيا وسياسيا، بالاستعانة بأدوات النقد الأدبي والمنظور النسوي في إطار يلتفت إلى التمثيل الثقافي عبر الاقتباس الفني.