نضال ممدوح
قبل أيام، رحل عن عالمنا الفنان فاروق الفيشاوي٬ ومن قبله الفنان عزت أبو عوف٬ وسبقه محمد أبو الوفا٬ سعيد عبد الغني٬ جميل راتب٬ محمد شرف٬ هياتم٬ سامي العدل٬ ماهر عصام٬ فايزة كمال٬ وغيرهم ممن أثروا الساحة الفنية خلال أكثر من مائة عام هي تاريخ السينما المصرية.
ودائما ما يطرح السؤال نفسه عقب رحيل أحد مبدعي الفن السابع٬ من قادرا علي أن يملأ الفراغ مكانه؟ من قادر أن يخلد في ذاكرة الأجيال الجديدة٬ كما خلد العشرات من فناني الزمن الجميل في ذاكرتنا البصرية والسينمائية؟ وما الذكريات التي سيحملها أولادنا وأحفادنا كما حملناها نحن عن السينما المصرية ونجومها؟ هذه الأسئلة قدم الــ 67 فنانا وفنانة أبطال عرض “سينما مصر” الإجابات الشافية عنها٬ بل طرحوا الأمل بأن مصر ولادة٬ ولن تعدم أبدا من الفن والجمال٬ الثقافة والحضارة والإبداع٬ وأن أرضها تطرح وستطرح دائما مبدعين يملئون الحياة بالشغف وأحلام الفن.
ينطلق العرض من المشهد الذي تصرخ فيه فاتن حمامة “نادية” في فيلم “الليلة الأخيرة” متسائلة عن هويتها ومن تكون وهل هي نادية أم فوزية؟، وهو السؤال الذي طالما طرحه العديد من المثقفين والمفكرين المصريين عن هوية مصر، وهل هي متوسطية كما ذهب ونادي الدكتور طه حسين٬ أم قبطية مصرية كما ذهب الدكتور لويس عوض٬ أم عربية كما طالب العروبيين بدءا من الخمسينيات٬ أم أنها نتاج للأبعاد الأربعة:( البعد الآسيوي٬ البعد الأفريقي٬ البعد النيلي٬ البعد المتوسطي) وتفاعل هذه الأبعاد والنظائر الجغرافية٬ كما وضحها الدكتور جمال حمدان في أعماله الفكرية المتعددة.
الإجابة تتضح رويدا رويدا مع كل مشهد من المشاهد الــ 45 التي قدمها العرض وضمت باقة من أروع مشاهد السينما المصرية٬ خاصة أفضل مائة فيلم في تاريخها٬ من بينها: بداية ونهاية٬ رد قلبي٬ شيئ من الخوف٬ بين القصرين٬ جعلوني مجرما٬ شفيقة ومتولي٬ ابن حميدو٬ إسماعيل ياسين في الأسطول٬ إسماعيل ياسين في مستشفي المجانين٬ سكر هانم٬ الحفيد٬ عرق البلح٬ زقاق المدق٬ غرام في الكرنك٬ المصير٬ أغنية علي الممر٬ غزل البنات٬ الكيت كات٬ دهب٬ الناصر صلاح الدين٬ آه من حواء٬ الزوجة الثانية٬ صغيرة علي الحب٬ معبودة الجماهير٬ المليونير٬ سلامة في خير٬ أضواء المدنية٬ مطاردة غرامية وغيرها من روائع السينما المصرية التي شكلت وجدان العديد من الأجيال وما زالت حتي اليوم.
اللافت في العرض، قيام كل أبطاله تقريبا بلعب دور نادية وشاكر٬ فمع كل مشهد سينمائي جديد تظهر نادية وشاكر يقدمهما ممثلين مختلفين عن سابقيهما٬ كما تتباعد المسافة الزمنية لظهورهما كلما تقدم العرض للنهاية٬ في إشارة إلي مكونات الشخصية المصرية٬ والمؤثرات التي ساهمت في تكوينها بالتراكم الزمني.
ومع كل مشهد تستعيد نادية ذاكرتها هويتها الحقيقية، لا تلك الزائفة المدعاة التي فرضها عليها شاكر٬ تستعيد مصر هويتها المصرية الفرعونية٬ ففي المشهد الأخير تسدل الفنانات المشاركات في العرض الزي الفرعوني الملحق بملابسهن٬ في إشارة دالة علي مرجعيتنا الفرعونية الكيمتية المصرية الخالصة. تلك الهوية وإن مرضت أو ذبلت لكنها لا تضمحل أو تزول٬ بل تعبر أوجاعها لتقف شامخة بين الأمم.
قدم عرض “سينما مصر” خريجي الدفعة الثانية ــ قسم تمثيل ــ بمركز الإبداع الفني معزوفة فنية متكاملة الأركان٬ سواء الأداء٬ أوالديكورات البسيطة المعبرة التي لم يشعر متابع العرض بعملية تغييرها التي تمت في ثوان قليلة٬ والإضاءة المعبرة وتباينها بين السطوع والخفوت مما يعكس الحالة الدرامية للمشهد عن الآخر٬ واستعانة مخرج العرض الفنان خالد جلال٬ بالموسيقي التصويرية للأفلام التي عرضت أضفي الكثير من حالة التماهي والواقعية مع العرض أما الأضافات التي أدخلت من خلال أغاني وألحان الفنانة “منار الشاذلي” فكانت رؤية جديدة لإفكار ورؤي الأفلام التي جاءت بالعرض. أبدعت في أدائها الفنانات: منار الشاذلي٬ أميرة رضا٬ إيمان الشريف٬ حبيبة حاتم.
شهد العرض ميلاد كوكبة جديدة تضاف للفن المصري٬ أثبتت أن الإبداع في مصر حاضر دوما لا ينضب٬ الــ67 فنانة وفنان نجوم العرض هم نجوم المستقبل٬ وأبطال ذكريات أبنائنا وأحفادنا في قادم الأيام٬ وتذكروا هذه الأسماء جيدا فغدا سيصنعون زمن فني جميل وهم: إيمان غنيم وغادة طلعت وعمرو كمال بدير وبسمة ماهر ورباب القعيد وربيعة رفيع ومايا ماهر وريهام الشنواني وشيماء عباس ومحمد عبده وهالة مرزوق وأحمد فوزي ومروة عيد وباهر النويهي ونورهان المرحومي ونيهال فهمي وحسن عبد الله وريهام محيي وزياد زعتر ومحمد عربي وأمل إميل ومحمد ماضي وبسنت صيام ورامي عبد المقصود وإيمان الشريف وأميرة أبو زيد وأميرة رضا وأحمد الحسيني ومريم الجندي وآلاء علي ومنار الشاذلي وحبيبة حاتم وفاروق قاسم وأحمد سعد والي ورنا خطاب وفرح عناني وخليفة سمير ومها حمدي ويسرا كرم ودينا السيد ومحمد عبد الظاهر ومعتصم عبد العزيز ورأفت زين وأحمد يحيي وإبراهيم صابر ونيفين بطرس وشريف عبد ربه وعمرو بهي ودلال الخميسي وأمير الحسيني وخالد الشامي وخالد إبراهيم وسيف الديب ورحاب نصر وإبراهيم طلبة وبلال علي وهيثم حسام وسلمي خطاب وميشيل ميلاد وعلاء النقيب وصالح عبد النبي ومحمد كامل ونهي جابر ومحمود الفرماوي ودينا عماد وعبد الله التهامي وعبير طنطاوي وشيماء منصور.
العرض من إنتاج صندوق التنمية الثقافية التابع لوزارة الثقافة٬ أي أنها جهة إنتاج حكومية وليست خاصة٬ تثبت أن الدولة تستعيد دورها في دعم الثقافة والفن والإبداع٬ فمن بين أفضل 100 في قائمة السينما المصرية أنتجتها الشركة المصرية العامة للإنتاج السينمائي.
المصدر: صحيفة الدستور