سوليوود «الرياض»
ها هو مسلسل العاصوف في جزئه الثاني، الذي يعرض في رمضان هذا العام، يثير الجدل ويستحوذ على اهتمام الرأي العام السعودي مثل جزئه الأول، الذي سلط الضوء على الحياة الاجتماعية في السعودية خلال فترة السبعينات من القرن الماضي، وذلك كما جاء في صحيفة العرب.
ما يميز الجزء الثاني من مسلسل العاصوف أنه يبحث عن جذور التشدد التي خيمت على المجتمع السعودي بداية من حقبة الثمانينات وأسبابها. ويحسب للمسلسل أنه قدم لنا صورة حقيقية ومغايرة للمجتمع خلال السبعينات والثمانينات من القرن الماضي، هي صورة تبدو أكثر تسامحا وتقبلا للحياة العصرية. فقبل ما عرف بالصحوة عرفت السعودية دور السينما، كما كان المسرح والتمثيل من المواد الدراسية التي تقدم لطلبة المدارس، حتى نظرة المجتمع إلى المرأة كانت مختلفة إلى حدّ كبير. فما الذي حدث؟ وما هي الأسباب التي أدت إلى انتشار التشدد الديني؟
تساؤلات يجيب عنها المسلسل عبر حلقاته التي تحظى حتى الآن بمتابعة واسعة، ليس في منطقة الخليج وحدها، بل في العالم العربي أيضا. في هذا الموسم تصدّر العاصوف الترند السعودي متفوقا على العديد من الأعمال العربية الأخرى، كما احتلت أخباره مكان الصدارة في الصحف العربية لما أثارته بعض حلقاته من جدل ونقاش. وبهذا يضع مسلسل العاصوف الدراما السعودية في مكان الصدارة بين الأعمال العربية التي تم عرضها في الموسم الرمضاني.
كشف التفاصيل
دراما أثارت سيلا من النقاش
المسلسل من إخراج السوري المثني صبح، عن قصة الكاتب السعودي الراحل عبدالرحمن الوابلي، وكتب له السيناريو والحوار ناصر العزاز، ويقوم فيه بدور البطولة الرئيسية النجم ناصر القصبي إلى جانب نخبة كبيرة من الفنانين والفنانات من السعودية والخليج العربي، بينهم عبدالإله السناني، وريم عبدالله، وعبدالعزيز السكيرين، وريماس منصور، وحبيب الحبيب، وزارا البلوشي، وليلى السلمان، وعدد كبير من النجوم والنجمات، هذا خلافا للممثلين الثانويين (كومبارس) الذين تمت الاستعانة بهم في مشاهد اقتحام الحرم والذين تجاوزوا الثمانمئة. يرصد المسلسل طبيعة الحياة الاجتماعية والثقافية في السعودية خلال فترة السبعينات من القرن الماضي، قبل ما عرف بالصحوة الدينية التي فرضت سطوة رجال الدين على الحياة الاجتماعية في السعودية، وقبل التحولات الفكرية التي طالت بعض فئات المجتمع في ذلك الوقت.
وكان المسلسل قد أشعل جدلا واسعا خلال عرض جزئه الأول، وأثير الكثير من النقاش حول محتواه، وخاصة المتعلق منه بحركة الصحويين في السعودية، إذ اعتبر البعض أنه يسلط الضوء على الصحويين في السعودية بشكل سلبي، بغرض تقديم التدين كحالة طارئة على المجتمع.
كما تطرق هذا الجزء إلى انعكاسات الأحداث الكبرى على الساحة العربية في ذلك الوقت، بما فيها المدّ الناصري والقومي وهزيمة 1967 وغيرها من الأحداث. تعرض المسلسل أيضا لعدد من التفاصيل التي كانت خافية على البعض، كبداية ظهور السينما في السعودية في سبعينات القرن الماضي ثم عملية اختفائها في ما بعد.
المسلسل يرصد طبيعة الحياة الاجتماعية والثقافية في السعودية خلال سبعينات القرن الماضي، قبل ما يعرف بالصحوة الدينية
يحمل الجزء الثاني من المسلسل العديد من المفاجآت المتعلقة بعلاقة خالد (ناصر القصبي) وإخوته، والطفرة الاقتصادية التي انعكست على عمله، وارتباط كل ذلك بالتحولات الكبيرة التي شهدتها السعودية بداية من فترة الثمانينات على الصعيد السياسي والاجتماعي والثقافي.
أما الحدث الأبرز في هذا الجزء فيتعلق بالحادثة الشهيرة التي جرت وقائعها في نهاية عقد السبعينات من القرن الماضي، والتي تمثلت في احتلال الحرم المكي لما يزيد عن عشرة أيام من قبل إحدى الجماعات المتطرّفة، وهي جماعة جهيمان العتيبي. ترجع أهمية تلك الحادثة إلى كونها تمثل حدا بين عصر وآخر في تاريخ السعودية، إذ ترتبت عليها العديد من التغيرات داخل المجتمع السعودي بأسره. تناول المسلسل تلك الحادثة بالتفصيل عبر ثلاث حلقات كاملة بداية من الحلقة الخامسة عشرة، قدم خلالها تفاصيل هذه الواقعة المدوية التي ما زال يتذكرها بعض من عاصروها.
استطاع العمل معالجة هذه الحادثة على نحو جيد، بما تخللها من إدارة للجموع والمعارك والتجهيزات الديكورية الضخمة، حتى ظن البعض أنه قد تم تصوير هذه المشاهد في الحرم المكي بالفعل، رغم تصويرها بالكامل في دولة الإمارات.
وقد أثارت استعادة مشاهد تلك الحادثة الكثير من الجدل والنقاش بين مؤيد لمعالجة مثل هذه الوقائع التاريخية دراميا، وبين رافض لها يرى في استعادة هذه المشاهد محاولة لشيطنة المتدينين ككل.
ومن المتابعين أيضا من انتهزها فرصة لتذكّر أقربائه الذين قضوا نحبهم في تلك الحادثة، إذ امتلأت صفحات التواصل الاجتماعي بالكثير من صور الضحايا، وشهادات حية لمن نجوا منها. هكذا يفعل الفن، يطرح تساؤلات، وينبش في التفاصيل وأحداث التاريخ، وقد يُعيد كذلك صوغ ما ترسخ من قناعات في الأذهان.
ملامح جديدة
قضايا لم تتطرق إليها الدراما الخليجية من قبل
الحوار في المسلسل جاء سلسا، كما خلت معظم الحلقات التي تم عرضها حتى الآن من المطّ والتطويل. الحبكة الدرامية جاءت متوازنة هي الأخرى، إلا من بعض الهفوات القليلة التي يمكن التجاوز عنها في مقابل السياق العام. الفنان ناصر القصبي يثبت من خلال أدائه لدور البطولة في هذا المسلسل أنه قد تجاوز الحصار المفروض عليه داخل دائرة الكوميديا، عبر العشرات من المسلسلات الكوميدية التي قدمها منذ ثمانينات القرن الماضي، والتي استطاع من خلالها التسلل إلى قلوب الملايين من متابعيه بأدائه المرح وخفة ظله المعهودة.
ومن الأدوار اللافتة في هذا الجزء دور جهيمان العتيبي الذي أداه باقتدار الفنان يعقوب الفرحان، فقد استطاع صناع العمل الاقتراب كثيرا من ملامح العتيبي ما ساهم في تفاعل المتابعين الذين أشادوا بحرفية العمل واهتمامه بمثل هذه التفاصيل الصغيرة. بين الأدوار المميزة كذلك دور جهير زوجة ناصر القصبي الذي أدته الفنانة ريم عبدالله، وكذلك دور الفنان عبدالله المزيني في شخصية أبواليعيش، وهي شخصية تحمل الكثير من عوامل الثراء، وتتميز بالطرافة وسعة الخيال. ولعل مقتله في المسلسل على يد جماعة جهيمان قد سبب صدمة للمتابعين للعمل، فقد كان إحدى الشخصيات المحببة للجمهور. يتطرق الجزء الثاني إلى ما يعرف بالصحوة بشكل مفصل، وبداية توغل الأفكار المتطرفة ونشاط التنظيمات الدينية مثل جماعة الإخوان المسلمين في السعودية، واستغلالها للتبرعات التي كانت حصلت عليها لتوسيع نفوذها وتأكيد سطوتها. هذه الأحداث المتلاحقة والتفاصيل الكثيرة التي احتوى عليها الجزء الثاني جعلت من وتيرته أكثر تشويقا من الجزء الأول.