عقل العقل
صناعة الثقافة في أي بلد من مسؤولية الجهات الرسمية، على رغم اعتقاد البعض بأن العمل الثقافي بأشكاله المتعددة يرتبط بالإبداع بعيداً من الأنماط والتوجهات الرسمية التي قد تقصيه أو تقتله. لكننا ومن خلال تجارب دول في عالمنا الثالث نجد أن الأنظمة الرسمية كانت الراعي الرسمي للثقافة. وليس شرطاً أنها نحت إلى توظيف المنتج الثقافي لخدمة أيديولوجيتها السياسية.
وعلى رغم كل التوظيف السياسي للثقافة والفنون إلا أن الآيديولوجيا تزول وتبقى الفنون والآداب من رواية وقصة وشعر وموروثات شعبية. ونذكر في هذا الإطار التجربة السوفييتية في تصدير الأدب الروسي وما يخدم آيديولوجيتها.
في عالمنا العربي، رعت الأنظمة ذات التوجه القومي العربي الثقافة ووظفتها في مرحلة الستينات. تلك الأنظمة ولّت، وبقيت المشاريع الثقافية التي رعتها وبقي تأثيرها التنويري في المنطقة. نتذكر مثلاً السينما المصرية في الحقبة الناصرية والأفلام الجادة التي أنتجتها المؤسسات الرسمية في تلك المرحلة. البعض يجادل بأن حرية الفرد المبدع في التعبير هي أساس الثقافة الحقيقية غير المدجنة والاستهلاكية، لكننا اليوم نعيش عصر الصراعات. وتوظف الدول المتقدمة وغير المتقدمة ثقافاتها في تقديم صورة نمطية جميلة للعالم. وأبرز دليل على ذلك أن الهيمنة الأميركية على العالم، لم تأت بقوة السلاح بشكل مطلق، بل من خلال تصدير صناعتها السينمائية. فشعوب العالم تعشق أميركا من خلال أفلامها ومسلسلاتها التلفزيونية.
نعيش في هذه المرحلة، توجهاً لصناعة الثقافة السعودية المحلية بأشكالها كافة. ولا يمكن إلا لجهات رسمية أن تتصدى لهكذا مشروع، كما نصت على ذلك رؤية المملكة 2030، ومن أذرعها إنشاء مؤسسات رسمية للقيام بهذه المهمة الوطنية، فتم تأسيس هيئات للترفيه وتخصيص وزارة للثقافة أعلنت قبل أسابيع عن استراتيجيتها الوطنية، التي ترتبط بعلاقة مباشرة ببرنامج جودة الحياة في رؤية المملكة. وأحد الأهداف التي أكدت عليها وزارة الثقافة في استراتيجيتها، تقديم الثقافة السعودية في المحافل الدولية، ما يعني تقديم صورة المملكة الحقيقية كدولة وشعب إلى العالم بشكلها الحقيقي، وتقديم كل فنونها بشكل مهني وجذّاب. ولن استغرب أن أشاهد آلاف السياح الأجانب يصلون المملكة في السنوات القادمة.
ثمة تجارب في المنطقة لدولٍ عرفت على مستوى العالم من خلال السياحة. والمملكة دولة غنية ثقافياً، مرّت على أرضها حضارات وشعوب وهي تحتضن شواهد وآثار لتلك الحضارات، فمتى اكتمل بناء المتاحف لدينا ومن ضمنها أكبر متحف إسلامي، ستشكّل هذه المشاريع إضاءة إنسانية لإنسان هذه الأرض.
كثيرون ما عرفوا دولة معينة ليس بسبب ثرواتها أو قواتها العسكرية، إنما من خلال روائي أو شاعر أو مسرحية من أبنائها.
علينا المضي سريعا في “هندسة ثقافتنا” بشكل عصري جذّاب مع عدم إهمال التجارب الإبداعية الذاتية.
المصدر: صحيفة الحياة