حلمي شعراوي
تتعدد مهرجانات السينما بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة، فما أن تبرز مدينة على مستوى اقتصادي أو موقع استراتيجي أو ترفيهي بارز، حتى تبرز فكرة المهرجان. وفى أفريقيا مثلاً بدأت المهرجانات (فيسباكو) في بوركينا فاسو، على أساس بروزها الثقافي بين مجموعة دول محيطة أكثر جدارة منها، مثل داكار أو أبيدجان. وظل المهرجان راسخاً رغم فقر البلاد، حتى وإنْ برزت قربه سوق نيجيريا للسينما على نظام واسع جداً، ولعبت الجودة هنا والإبداع الدور الأكبر من أي عنصر آخر كشهرة المكان أو الإنتاج. وعندما نقارن بنيجيريا مثلاً نجد أنها لم تتحقق لها مكانة السوق الفقيرة في بوركينا فاسو التي تحقق بروزاً الآن على المستوى الدولي. ويمكن أن نقول شيئا من ذلك عن قرطاج…وحتى مهرجان الأقصر للسينما الإفريقية، الذي بدأ يأخذ مكانته الدولية أيضاً، فهو يحقق ذلك رغم فقر الإمكانيات. وذلك كله على مستوى دول فقيرة مثل الدول الإفريقية. ولا يمكن إنكار أنها أنتجت أعمالاً مهمة لمشاهير بارزين مثل «ميدهوندو» ليجعلوا من حالة الفقر رموزاً عالمية في الإنتاج الدولي الكبير.
وبينما الأمر كذلك وإذ بالثروة تلعب دورها في جعل مهرجانات السينما نفسها هي الظاهرة العالمية، وليس القصد هنا مهرجان «كان» وغيرها من مشاهير المهرجانات، ولكن برزت مراكز سينمائية جديدة تؤهل لشهرة عالمية مثل مهرجان «دبي» أو «القاهرة» أو «الإسكندرية» «والأكثر شهرة الآن» جنوب إفريقيا«، التي تملك المال والفن معاً، لتقع بين أكبر أسواق السينما العالمية.
وقد لعب الفقر كظاهرة عالمية دوراً في انتكاسة الإنتاج السينمائي هنا وهنالك، ليصبح تصوير مناطق الفقر، حتى من بلدان السينما الغنية، هو الظاهرة العالمية حتى التسعينيات من القرن الماضى، وحتى اعتدل الميزان من خلال بلدان مثل جنوب أفريقيا التي تشترى إحدى شركاتها (ستيركينبكور) 360 شاشة عرض ومثلها شركة (نومترو) 250 شاشة، بل وأصبحت شركة (نو- مترو) تمتلك 801 سينما في أنحاء بلاد الأنجلوفون، بينما لا يتاح لمجمل بلاد الفرانكفون إلاّ نحو 30 دار عرض..ولذا رأينا المال يلعب دوره في هذا البلد أو ذاك. وليس الفن أو الطبقة..
هذه التغيرات في عالم السينما لم تغير وضع السود على مستوى عالمي (8% من الظهور لشخصيات سوداء، بينما ظلت تحتفظ للجنس الأبيض ببقية النسبة العالمية)، وأصبح السؤال: لماذا لم يقدم الإنتاج الأفريقي شخوصه من السود أو من أبناء العالم الثالث عموماً، بينما بقي حال التفوق الأوروبي؟ ثمة مخرجون أفارقة كبار منذ عثمان سمبين وحتى ميدهوندو(موريتانيا) ووادراجو (بوركينا فاسو) إنما يرجعون ذلك إلى استمرار الظاهرة الاستعمارية والموقف التقليدي من الأفريقي الأسود، ولذا اجتهد أكثر من واحد منهم لإنشاء مدارس فنية بإشرافهم في بوركينا فاسو وتشاد مثلاً لتخريج جيل أكثر كفاءة ليحول السينما الأفريقية إلى عالم العولمة الحديثة، وليس مجرد عولمة الديمقراطية الغربية التي تتهم الأفارقة بعدم الاستعداد للديمقراطية، وكأنهم كانوا أكثر استعداداً للديكتاتورية (حسب تعبير سوينكا).
وقد دخل على الموضوع مؤخراً مشكلة أفلام العنف التي أشاعتها حالة العنف الاجتماعي والسياسي السائدة، وهذه الظاهرة هي التي تكاد تجمع ظاهرة العنف وعولمته بين الفقراء والأغنياء، وجعلت فيلسوفاً مثل «شيلي مبيمبي» في تفسيره لأزمة السينما الجديدة» بأن النخبة الحاكمة مقتنعة بأن الفن والثقافة لا يعنيان إلا بالتراث والسياحة والمعارف العامة، والتعاون أساساً مع المانحين للحصول على الدعم المالي لتنمية إنتاجهم فقط.
دخل «النجوم السود» للسينما مؤخراً من باب آخر للعولمة هو«العنف»، وتعددت الأبواب إلى ذلك، فمن العنف ضد المرأة (والخادمة دائما سوداء)، والعنف ضد الأطفال كمحاربين صغار، والعنف الناتج عن الصراعات الإقليمية من أجل الثروات (الماس في سيراليون- واليورانيوم في النيجر- والبترول في الشرق الأوسط وفى أنحاء من الصحراء…) هذا العنف هو الذي جعل مخرجاً جزائرياً مثل مرزاق علواش يقول: «إذا بقيت سأموت، وإذا غادرت سأموت» ورغم أن المعنى الأساسي يذهب إلى أمور اجتماعية أخرى، إلا أن الحس العالي إزاء العنف بارز المعنى هنا. فهل معنى كل ذلك أن كلاً من الفقر والعنف، يعيدان العالم – وخاصة الأفريقي إلى مصفاة العولمة للسعادة الإنسانية التي قد نفتقدها جميعاً؟ البعض يرى أن الفنون الجديدة مثل الثورة الرقمية، وأنماط الميديا المختلفة قد تنقلنا إلى عالم جديد أفضل..إذا تحقق ذلك للجميع!
المصدر: صحيفة الاتحاد