محمد حجازي
هناك حقائق لا تحتاج الى إثبات. وهناك أكاذيب حاضرة يحاول أصحابها فرضها كحقائق من دون جدوى.
وعندما نقيس الأمور بمنطق الواقع السينمائي الراهن لا يعود هناك أي مجال للشك. هل نتذكر ما عزفه السينمائيون منذ أواسط القرن الماضي، من معين الأدب، من روايات الكبار: المنفلوطي، طه حسين، عباس محمود العقاد، إحسان عبد القدوس، يحيى حقي، نجيب محفوظ، يوسف السباعي وغيرهم كثيرون ممن خدموا الفن السابع، ونالوا من الأفلام شهرة عربية ثم عالمية واسعة.
هذه الفائدة المتبادلة لم يقتنع بها عموم العاملين في الوسط السينمائي في فترات عديدة لاحقة، وراحت صناعة الأفلام في أم الفيلم العربي تتأرجح، وتتراجع ثم تحاول النهوض الى أن جاءت نواة الثورات المتعاقبة في السنوات الماضية لتوقف قطارها بشكل شبه كامل، مع وجود بعض المبادرات الجادة في مواجهة كم لا يصدق من سينما المقاولات التي سبق وعطلت مفاعيل حضور الفيلم المصري في الصالات العربية، لكن الزمن دار دورته، وإذا ببعض التجارب تشتغل على واحدة من النماذج الراقية في عمر السينما عبر منبرها الأهم القاهرة.
الرواية… أصل كل نجاح في الماضي، ومفعولها ما زال صالحاً لإنقاذ الفيلم المصري من كبوته، ومراوحته منذ فترة في المكان الواحد. هناك تجارب بدأت مع «عمارة يعقوبيان» التي قدمها في فيلم المخرج الرائع مروان حامد عام 2006 عن عمل أنجزه الروائي علاء الأسواني إستناداً الى سيناريو صاغه وحيد حامد وشارك فيه أبرز النجوم (عادل إمام، نور الشريف، يسرا، هند صبري وغيرهم).
وكان واضحاً أن «حامد» عثر على السكة الصحيحة لإعادة الاعتبار إلى النص الفيلمي المميز بدل السطحية التي وسمت أشرطة كثيرة في الآونة الأخيرة، فعثر أيضاً على منجم روائي ذهبي عبر الكاتب أحمد مراد الذي صدر له عام 2012 رواية «الفيل الأزرق» وباشر الإثنان التعاون عبرها فإنتقلت الى السينما بعد عامين وشارك فيها (كريم عبد العزيز، شيرين رضا، خالد الصاوي، ونيللي كريم) وعرفت إقبالاً غير مسبوق عند شباك التذاكر، وإلتزم الاثنان تعاوناً ميدانياً خالصاً أثبت بما لا يدع مجالاً للشك أن الأدب هو أسلم طريق لإنهاض السينما من دوراتها في حلقات مفرغة، ثم تعاونا على شريط «الأصليين» عام 2017 ومعهما (ماجد الكدواني، منة شلبي، خالد الصاوي، وكندة علوش)، الذي تابع تتويج النجاح السابق، لنواكب العام الماضي واحداً من الأفلام الكبيرة والرائعة من جميع النواحي: «تراب الماس» (عزت العلايلي، ماجد الكدواني، آسر ياسين، منة شلبي، ومحمد ممدوح) لتكتمل الصورة بشكل مثالي، ويعرف الجميع أن هذا هو الدواء لداء النص السينمائي، وبعد النجاحات المتتالية لهذا التعاون يجري الحديث حول إمكانية نقل روايتي أحمد مراد: «أرض الإله»، و«موسم صيد الغزلان» لضرب الحديد وهو حامٍ جماهيرياً.
والمحاولات لم تتوقف هنا. فالقاص محمد صادق له رواية بعنوان «هيبتا» قام السيناريست وائل حمدي بصياغتها نصاً سينمائياً بالعنوان نفسه، وتولى هادي الباجوري مهمة الإخراج عام 2016 مستعيناً بفريق ممثلين (تألف من زوجته ياسمين رئيس، ماجد الكدواني، نيللي كريم، عمرو يوسف وأحمد بدير) ونال العمل قسطه من النجاح والإيرادات الطيبة في الصالات المصرية، وشجعت هذه التجارب الناجحة والمتتالية، آخرين في الوسط الفني على خوض الغمار نفسه وإن يكن عبر أدباء آخرين، وجاءت المفاجأة المدوية مع رواية «مولانا» للكاتب ابراهيم عيسى الذي قام شخصياً بوضع النص السينمائي للرواية وظهر الفيلم عام 2016 ليشهد نجاحاً رائعاً في مجال النقد وإيرادات عالية جداً في الصالات، إضافة إلى جوائز لا تُحصى من المهرجانات والتظاهرات المحلية والعربية والاقليمية (المخرج مجدي أحمد علي أدار عمرو سعد، درة، ريهام حجاج، بيومي فؤاد وأحمد مجدي)، وها هي الشاشات المصرية تعرض اليوم رواية ثانية لـ «عيسى» تحمل عنوان «الضيف» (خالد الصاوي، شيرين رضا، أحمد مالك) وسط استقبال نقدي حذر ومنقسم حول الفيلم، وننتظر مشاهدته للحكم عليه.
نعم الأدب خشبة خلاص السينما، سابقاً كان قادراً على ضخ الأفلام بأروع الروايات، واليوم عنده القدرة نفسها لاكتشاف روائيين شباب يعكسون واقع المجتمع المصري ومن خلاله العربي… هذه الأيام..
المصدر: صحيفة اللواء