سوليوود (مقالات)
الواقعية واحدة من نقاط الخلاف في تحليل الأفلام، فماذا نقصد عندما نقول إن فيلما ما واقعيا؟ وهل واقعية شخص ما لها نفس الأهمية بالنسبة لشخص آخر؟ وكما يقول كريستوفر ويليامز في مقدمته لكتاب «الواقعية والسينما»: «إن مناقشة الواقعية سواء في السينما أو الفنون الأخرى تتجه الى منحى متعرج أو دائري»، والآن عندما ننظر الى أفلام عظيمة من الماضي كانت بمنزلة روائع في الواقعية، فهل نرى مقدمات لحبكات درامية مصنوعة بإتقان أو نرى مناظر منمقة أو تمثيلا مسرحيا؟
من المفيد أن نفكر في الأفلام التي كانت مصنفة على أنها واقعية في زمنها، لنرى هل هذه الواقعية تتفق مع واقعنا الحالي، ولكى نناقش الواقعية فنحن لسنا في حاجة الى تعريف لهذا المصطلح: فأشكال سينمائية عديدة تصلح كصيغ واقعية عبر تاريخ السينما.
وعلى الرغم من أن مصطلح واقعية كان مستخدما من قبل، فكثير من الافلام الفرنسية في الثلاثينيات وصفت بانها واقعية شعرية على سبيل المثال، إلا ان الواقعية أصبحت نمطا سينمائيا مع حركة الواقعية الجديدة التي خرجت من ايطاليا أثناء الحرب العالمية الثانية، ومع كتابات نقدية مثل كتابات اندريه بازن والذي دافع في الجزء الأول من كتابه «ما هي السينما؟» عن فيلم من أفلام الواقعية الجديدة، هو فيلم «امبرتو دي» لفيتوريو دي سيكا، قائلا «إن وحدة السرد لم تكن مكتملة، والحدث، والتحول المفاجئ للأحداث، وكذلك الشخص لم يكن يتميز بالبطولة، وان الفيلم عبارة عن عرض متتابع لثوابت راسخة في الحياة، ولا يوجد شخص في الفيلم يمكن أن يقال عنه إنه اكثر أهمية من الآخرين، فمن اجل تحقيق المساواة بينهم كذوات ذات وجود، فالدراما تتحطم من أساسها».
وسنرى أن مقولة بازن لا تجعلنا نفهم شئيا ذا أهمية، فزوايا الكاميرا في الافلام السينمائية الواقعية دقيقة من اجل التوكيد، كما ان فيلم «ألمانيا العام صفر» على سبيل المثال، يتركز على محورية الشخصية الرئيسة التي يحمل الفيلم اسمه والأزمات التي يتعرض لها، كل هذه العناصر تم تكريسها لخلق قصة وشخصية قوية، وأيضا كان لبازن مقولة يرى فيها أن أهمية السينما لا تتمحور حول الحدث لكن حول التمعن فيه، فالاهتمام بالحياة المعيشة أكثر أهمية من الحبكة المتصاعدة، والشخصيات ما هي إلا نماذج من هذه الحياة.
وسوف نرى في الأفلام التي اخترناها نوعا من استخدام أو دمج للعناصر التي تعبر عادة عن الواقعية، ومنها «ألمانيا العام صفر» الذي تحدثنا عنه سابقا وفيلما «غرفة على السطح» و«التفاصيل الأخيرة».
في الفقرة الافتتاحية لفيلم «ألمانيا العام صفر» للمخرج روبرتو روسيلليني – احد مخرجي الواقعية الجديدة – يبدو ان الموسيقى الكلاسيكية التي تصاحب عناوين الفيلم تقودنا إلى فيلم تراجيدي وليس دراما واقعية، لكن في الواقع فان ما سنلاحظه في نهاية الفيلم هو خليط من التراجيديا والدراما الواقعية، فروسيلليني أراد صنع تراجيديا تخرج عن حدود الواقعية، تلك الحدود التي ركزت على تجاوز مرحلة الحرب العالمية الثانية على المستوى النفسي والاقتصادي والاجتماعي.
أثناء هذه الفقرة الخاصة بعناوين الفيلم لا يقدم روسيلليني مشهدا روائيا، لكنه ينحو الى التسجيلية ليصف تدمير ألمانيا بعد الحرب، حيث تتحرك الكاميرا جانبيا لتستعرض مدينة مدمرة، ويبدو أن روسيلليني أراد أن يقول ان هذا التدمير هو القصة التي يتناولها الفيلم، فهذا التقديم لا يؤسس لمشهد ولكنه يؤسس لقصة وكأنها تخرج من هذا الفضاء.